سكن هناك ولن تصيبه الشيخوخة

تلمح بمجرد النظرمن شباكك العالى من بناية شاهقة الارتفاع حركة واضحة لناس محفورة على ملامحها أثار الزمن ، يقومون بحمل حقائب لسيارة نقل كبيرة وبصحبته طفلة صغيرة ، تقف فى بطن العربة تشاركهم في نقل قطع الاثاثـ الصغيرة وهى أبنة صاحبة البيت المباع .. تناول للسائق القطع في يده وكأنها تلقي بها علي الأرض و تنظر في عينيه بتحدي وغضب لا يفهمه الرجل ، وقفت بعد انتهائها من دورها في النقل تنظر للتمثالين الموجودين في وسـط حديقة المنزل بتأمل حزين
أمها تنادي عليها وهي عصبية ، ناظرة في اتجاه التمثالين أيضا وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة (برطمة ) أنت واقفة بتتفرجي علي آيه ؟
تسمرت البنت مكانها أمام التمثالين واخذت تشاور بيدها وكأنها تتحدث لأحد تراه هى فقط وعين الام تتجه ناحيتها تماما أثناء هذه التمتمة ، البنت لا تنتبه لأمها ، تلمحها وهي تتجه للسيارة ... تنظر لمحدثها نظرة خاطفة حزينة ، تجري لداخل البيت بحركة مفاجئة ، وهو يتبعها ، يسبقها ليعطيها ما تذكرته ودخلت لإحضاره
تخرج البنت من الداخل تحتضن يد جبس وأمها تنادي عليها بلا مبالاة لما أحضـــرته وهي مهتمة بإنهاء إجراءات النقل تشاور لابنتها ، ( يلا ، بسرعة ، خلينا نخلص بقي ) تدخل البنت السيارة ، تركب بجوار أمها ، تنظر لرجلها الذى ناولها اليد ومحرك السيارة يدور وهي لا تلف عينيها عن باب البيت وهو يغلق بيد الرجل الباقي في البيت وما أن تبدأ السيارة في التحرك تستمر في النظر خلفها ثم يذهب للوقوف بجوار التمثالين ، يهذب بمقصه فروع الورود الصغيرة وينظر للبنت تلك النظرة الموجوعة لفراقها ، تبكى بكائا صامتا موجعا...
(2)
تصحو من نومهـا بلهفــة ، تجري إلى الشباك ، يهيأ لها أن هنـاك شخص يقف عند شباكها ينظر لها ، لكن ما أن تنفـتح عينيها ، تجده أختفي ، تنهض البنت وهي شاردة تماما ، فهي دائما تنهض مفزوعة بنفس الطريقة ، منذ رحلت من البيت القديـم هذا ، وهي تصحو كل يوم بنفس الطريقة ونفس الميعاد ، ترتدي ملابسها بنفس الشرود والفرحة ، تنظر لليد الجبس التي وضعتها بجوار سريرها ، تلقي عليها الصباح ، تنزل سلالم البيت وتخرج بلا ســـلام ولا كلام لامها ، تسير مسافة طويلة جدا حتى تصل لبائع الورد تشتري منه ورد ة واحدة فقط ، وتعاود سـيرها وفـي أثناء رحلتها هذه ، تذكر أحداثا مرت مع هـذا الرجل وتفكر بقلق ، هل لو ذهبت الآن ستجده ككل يوم أم تــراه ذهب لمكان آخر تسير بهمة ونشاط اكثر ، تتعجـل الوصـول إلى البـيـت القديم ، تزج بالباب الحديد الكبير تدخــل بـلا ريبــة ناحية التمثالين المحاطين بورود كثيرة اصابها الجفاف ، تضع وردتها الجديدة ، تقف قليلا كأنها تنتظر أحدا ، بالفعل يظهر لها ذلك الرجل ، هو طويل نحيف وشديد الوسامه ، نظراته ساحرة ، تغمض عينيها بهيام وتفتحهما لا تراه أمامها ، دائما ما يفعل بها فمنذ كانت تعيش في البيت منذ سنسن هي وأمها وحتي هذا اليوم وهو يظهر لها بنفس الغموض ويختفي ، من المفترض ان يكبر في السن ، لكنه لم ولن يكبر أبدا !
تعليقات
Hide and seek
من قريب ولا ايه ؟
:)
يمزق ايامه
يحفر نفسه على رخامات الماضى
باقلام رصاص ..
بالورد .. بالجبس
النظرة الزاجلة .. نظرته
تحمل للدنيا رسالة
اثقل من الهمّ
يشيخ الزن على اوتاره
ولازال يصدح نغمة
محزنه الارنان
الحقيقة انا مش فاهم اوى العمل دا
وتقصدى بايه الجبس والورد والرجل
ربنا يحميكى لدماغك المسافرة برة الكون
كريم بهى
الله عليكي، حلو جدا،
وبمناسبة الناس اللي بتسألك عن معنى كلام انت كتباه، أفتكر موقف حصل مع الأديب الألماني اميل لودفيج حينما زار مصر، وكان اسلوب كتابته من المدرسة الانطباعية التي تتميز بالتعقيد الفكري واللغوي، مش كتابة تيك أواي، لا كتابة محتاجة مجهود ذهني في القراءة (زي كتابتك الرائعة)، المهم سئل عن معنى جملة كان قد كتبها، وبعد أن قرأ الجملة من الورقة التي كانت مع السائل، نظر إليه الأديب الألماني مبتسما: "ولا أنا أفهم معناها"،
شكرا جزيلا على هذا النص الممتع وفي ملحوظة صغيرة حابعتهالك على الميل الخاص بك.
تحياتي واحتراماتي
ضياء
تحياتي واحتراماتي
ضياء
كريم بهى ... شكرا على تعليقاتك التى تحمل روح شاعر حقيقى ومزيد من التواصل ماشى ولا ايه ...
د . ضياء النجار ، بحس انى بجد بكتب لما بتيجى تزورنى وكلامك مهم جدا سواء رافض او موافق ، وعايزين بقى المدونة تشتغل انا زهقت وتعبت من كتر ما بدخل اشوف ايه الاخبار والاقى الاخبار زى ما هى مش كدا يعنى ... عايزين نشوفك من خلالها ولا ايه ...
مودى النودى كونوندى ، وحشتينا جوى جوى يا دميل ، كنت فين يابنى ، الحمد لله ان الشغل عجبك ودخل الدماغ ، بس انت برضه عامل حاجة حلوة قوى وعجبانى جدا ...ربنا يباركلك فى دماغك يا مودى ....
د . محمد النجار بالتحديد
الحقيقة حضرتك علقت على ردى ودا شئ يحسب ليا .. بس انا فهمت العمل الى حد كبير لانى بعرف سهى عاوزة ايه .. ولكن حبيت استفزها وان كانت تسامحنى لمجرد تاكيد معلوماتى
الكتابة بصمة روحانية بين الماضى والحاضر ,, مشبوكة بالروح والذكرى والايام اللى مابتعودش
زى الدنيا اللى وحشانا دايما بس مش لاقينها
سهى عزيزتى .. بتدون روحها فى سطور لكن الشيخزخة اظن بقت صبا كتابة مميزة تحتاج لعقل كبير وقلب اكبر يفهمها
بالنسبة لمودى : الكتابة يمكن اكترشئ فيها الاحساس ونظرات البنت
دا رأييى
واتمنى اكون لطيف معاكم
وكنت الطير ..
يحمل السماء على جنحه الكسور
لا اعلم لطريقى
ضياعاَ .. او وطن
كريم بهى
بيتولد جوانا عملاق مش جنين
السنين تقدر على كل الحاجات
و هو بس اللي بيقدر عَ السنين
وعجبي
KING TOOOT
دائما ما يكون هناك ارتباط بين الزمان و المكان...
في البوست الجميل..كان الارتباط واضحا بين الصغيرة و المكان...
دائما هناك تشدنا الي الماضي...و في البوست أعتقد ان نظرة البنت علي باب البيت والتي استمرت رغم تحرك السيارة هي ارتباط بالمكان و الزمان..
بوجه عام يمكن ان ينسجم هذا مع الجميع
كبارا و صغارا...بالحنين الي الماضي رغم ما قد يكون فيه من بعض المنغصات.
اسلوبك رائع...احييك عليه.
تحياتي و تمنياتي بالتوفيق دائما.
نشعر بها ولا نفسرها
نعتبرها من المسلمات ومن طبائع الاشياء وهى من الاعاجيب
دائما اسال نفسى
ما هو الحنين
ما سره وما سببه
الحنين للبشر ربما له ما يبرره
ولكن الحنين للاماكن عجيب
حنين لمنزل قديم او سيارة قديمه او شجره تتحدى الزمن؟
وتبرير الذكريات لم يقنعنى
ان للاماكن نداء تسمعه الارواح
ان للاماكن شخصيه تؤثر على المتواجدين فيها
افعال كثيره استطيع ان افعلها فى مكان ولا استطيع ان افعلها فى مكان اخر
كأن شخصية المكان تحدد لى ما يمكن ان افعله
ومازلت اسال دائما
هل الاماكن بها حياة من نوع اخر؟
اشكرك على معاودتك القراءة للبوست ودى حاجة تسعدنى جدا انك تقرا تانى وتعلق تانى ...شكرا ويارب دائما
الشاعر المتخفى كنج توت
انت ايه مش ناوى تتكلم بقى
الربان .. لا تعرف مدى سعادتى بردك فكأنك كتبته معى ، فعلا الاماكن لها سحر لا نفهمه ولها حياة لا ندركها ...وعلاقة الاماكن بالماضى والذكريات علاقة لا تنفصل ... أشكرك
هيرملس ، يارب يكون الاسم صح أد أيه كلامك جميل ، يمكن اجمل من البوست اللى انا كتباه ، صح لغز غريب وبنحاول نفسره ...اشكرك
موجود دايما قاعد ورا و ساعات قدّام
قلمي أماني بأغزل بيه الفاظ و معاني
ساعات تلاقيني بأغني حقيقة ،، و ساعات أوهام
KING TOOOT
جميلة بجد اوى يا سهى ...
حاسسها رؤية فلسفية اكثر منها كتابة فهمانى بجد تحفة او ى ولمستنى بقوة
تحياتى ...بجد حلوة اوى
ريم ... انا بفرح اوى لما الاقيكى عندى وكمان بفرح اكتر لما تعجبك كتابتى
الغزالى
اشكرك جدا جدا جدا ... وعلى فكرة مدونتك تقيلة اوى واكتر حاجة عجبتنى بصراحة شغل جيفار اللى انت عامله وكمان الاغانى الجامدة بتاعة الشيخ امام ... ربنا معاك ويقويك
بفرح بيكى بجد
يارب يكون قربت مما تقصدينه
شكرا
هبة محمود
على فكرة يا هبة انا فعلا بحب الفيلم دا قوى وبعشق نيكول كيدمان فيه ، بس اللى خلانى احبة قوى كدا انه شبه دماغى وبصدق فيه وانا كنت كتبت القصة من اكتر من 9 سنين اعتقد قبل الفيلم بكتير ... لكن انا بحبه فعلا